فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ:"لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟"، فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ:"لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى، فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ". (مت 9 : 11-13)
تذمّر الفريسيون، ولكنهم لم يجرؤوا أن يكلّموا يسوع مباشرة، فوجّهوا كلامهم إلى التلاميذ ليسمع يسوع، كانوا الضيوف المتكئون في بيت مَتَّى بلا شك مُصابين بمرض الخطية. ولكن الرب يسوع قد حضر لأجل أُناس مثلهم، حيث قال للخاطئة: إذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة، وهكذا خلقها من جديد.
الله سبق فأوضح أن الخدمة التي ترضيه, إذ قال «إني أريد رحمة لا ذبيحة. ومعرفة الله أكثر من محرقات» (هوشع 6:6).
فقد كان الفريسيون يدققون في ممارسة الطقوس المتعلقة بالذبائح تاركين العدل والرحمة في تصرفهم نحو الآخرين وإذ قال ميخا النبِّي «بِمَ أتقدم إلى الرب، وانحني للإله العلي؟ هل أتقدم بمحرقات، بعجول أبناء سنة؟». أجابه الوحي «قد أُخبرك أيها الإنسان، ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب. إلا أن تصنع الحق، وتحب الرحمة، وتسلك مُتواضعًا مع إلهك» (ميخا 6:6، 8).
كانت مشكلة الفرّيسيّين أنّ قلوبهم بقيت قاسية وباردة بلا رحمة مع أنّهم كانوا يحفظون الطقوس بدقّة عظيمة. لذلك رفضهم الرب يسوع طالبًا منهم أن يتعلّموا معنى الرحمة، فمع أنّ الله أنشأ نظام الذبائح، فهو لم يكن يريد أن تصبح الطقوس بديلاً عن البرّ الداخلي. فالله ليس إله طقوس، وهو لا يسرّ بالطقوس المنفصلة عن التقوى الشخصيّة، الأمر الذي كان الفرّيسيّون يفعلونه تمامًا. فقد كانوا يحفظون الشريعة حرفياً، ولكن لم تكن عندهم أيّة شفقة على المحتاجين إلى معونة روحيّة، فقد كانوا يختلطون فقط بأصحاب البرّ الذاتي الذين على شاكلتهم. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الرب يسوع قال لهم بالتحديد: «لم آت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة»، هذه هي رغبة الله من جهة الرحمة والذبيحة أيضًا. فمن ناحية، لا وجود للأبرار في هذا العالم، إذًا قد جاء المسيح ليدعو كل الناس إلى التوبة. لكنّ الفكرة هنا، هي أنّ الذين يعترفون بأنفسهم أنهم خطاة هم وحدهم الذين يستفيدون من هذه الدعوة فالرب لا يُمكن أن يمنح الشفاء للمتكبّرين وأصحاب البرّ الذاتي وغير التائبين، مثل الفرّيسيّين.