الوصية الثانية من الوصايا العشر
•لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ. وأصنع إحساناً إلى ألوف من محبيَّ وحافظي وصاياي
خروج 20:4-6
هل صور المسيح مخالفة للكتاب المقدس؟
يتهم المسلمون واليهود أكثرية المسيحيين بتجاوز أوامر الله قائلين: أنتم الذين تخالفون وصية الله الأساسية، لأنكم ترسمون صوراً عنه تعالى وتعرضونها على الملأ بحسب تخيلاتكم البشرية, واعتبار كل رسم لله إهانة له وتشويه وتجديف على جلاله.
من يمعن الفكر في الوصية الثانية يلاحظ أنها لا تحرم عرض الله بالرسوم، بل تحذرنا من كل نوع من عبادة الأوثان. من يكرم أو يعبد آلهة أخرى أو تماثيل أو منحوتات أو أصناماً أو منقوشات إلى جانب الله يقع في حموّ غضبه.
يفهم المسيحيون الوصية الثانية عادة بغير ما يفهمها اليهود والمسلون. لقد أصبح المسيح في الميلاد إنساناً، وبذلك صار ظاهراً للعيان. واستحق يسوع الإعلان الفريد: •الذي رآني فقد رأى الآب )يوحنا 14:9(. ففيه تم بلوغ هدف الخلق، إذ •خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم )تكوين 1:27(. فآدم وحواء دُعي كلاهما أن يمثّلا صورة الله. ويعكس وجه الإنسان حتى اليوم بقية المجد من سمو الله.
لنا الامتياز أن نفرح بالخليقة ونرسم الأزهار والحيوانات والناس، ولكنه لا يجوز أن نؤلهها أو نعبدها. المخلوق يبقى مخلوقاً ولا يليق أن نعتبره خالقاً. إنما صورة الله في الإنسان تشوّهت بعد السقوط في الخطية حيث عمّ الشر عالمنا. وأما يسوع، آدم الثاني فقد أعاد بشخصه صورة الله إلى الإنسان. والرسول بولس اعترف جهراً بأنه: •صورة الله غير المنظور (كولوسي 1:15).
ولد يسوع ومات وقام لأجل تبرير الجميع. ولذلك يحق لنا أن نرسمه, فهو على مدى الأزمان صورة الله الأصلية في هيئة إنسان. وليست محبته وفرحه وسلامه وصبره نظريات وهمية، وإنما حقيقة ملموسة. في المسيح اقترب الله منا. وهو لم يأت إلينا بهيئة مخيفة كإلهة الهند {كالي القاتلة}، بل كحمل وديع استعد أن يحتمل غضب الله عوضاً عنا، ويموت لأجل خلاصنا لنحيا معه إلى الأبد. وقد غرس فكرة التضحية في قلوبنا، فأصبح الصليب رمز المحبة الإلهية الذي لا يفنى. وتتوّجت قيامة المسيح في ظهوره، بحيث ظهر جسده الروحي للعيان. وطلب إلى تلاميذه أن يجسّوه. فلندرك جميعنا أن وقت الابتعاد عن الله قد انتهى وتجلّت صورته في المسيح أمامنا(لوقا 24:39).
من مبادئ الروح القدس أن لا يعظم نفسه بل المسيح مصلوباً وحيّاً. لذلك لا يُبرِز أتباع يسوع أنفسهم ولا يستكبرون، بل على العكس فإنهم يعطون العظمة والمجد للحمل المذبوح لأجلهم. وهكذا تحتج مريم أم يسوع وجميع القديسين بشدة على إبراز تماثيلهم وصورهم، ولا يريدون أن يظهروا على المذابح أو في البيوت عوضاً عن المصلوب. ليس أحد صالحاً إلاّ الله. وأما نحن فقد نلنا تبريرنا وقداستنا بالنعمة فقط. لذلك يعارض الكتاب المقدس كل من يصلي إلى مريم والقديسين ويطلب شفاعتهم. فمَن يفعل ذلك يكسر الوصية الثانية، ولا يضع ثقته في وحدة الثالوث وحده بل يوزعها بين الله ومخلوقاته الزمنية. لا صورة ولا تمثال ولا أثر تذكاري ولا عظام قديس متوفي تقدر أن تأتي بعجائب أو تمنح قوة شافية بل الله وحده يخلصنا بابنه يسوع المسيح. إن الأصنام في الكنائس رجس عند الرب.
تقوم شركة في العهد الجديد مع علاقة الآب والابن والروح القدس وبواسطته مع أتباع يسوع. والضمان لهذه العلاقة هو موت يسوع الكفاري، وخدمته الكهنوتية المستمرة عن يمين الآب. لقد فتح الابن لنا طريقاً مباشراً إلى أبيه السماوي. ومَن لا يقبل هذا الامتياز لا يثق بالله حقاً. لأننا قد نلنا من الآب وابنه النعمة والبرّ والمغفرة والروح والحياة. لذلك يحق شكرنا وتكريمنا وعبادتنا لله الثالوث الواحد دون غيره.
يجب ألا ننسى أن الله يسهر بغيرة على محبتنا له. ولا يقبل أن نرتبط بصنم أو مؤسس دين أو زعيم دولة، أو بذهب أو فضة، أو بكاشف غيب عند تسليمنا له. هو الله وحده، لا مخلص غيره.